تعد قسمة العقار على الشياع من المواضيع القانونية المهمة في النظام العقاري المغربي، نظرا لما تطرحه من إشكاليات عملية وقضائية تؤثر على استقرار المعاملات العقارية. فالشياع يُعتبر وضعاً قانونياً يتمثل في اشتراك عدة أشخاص في ملكية عقار مشاع دون تحديد مادي لحصة كل شريك، مما يؤدي غالباً إلى خلافات بين المالكين حول الاستغلال أو التصرف في العقار المشترك.
ولتفادي استمرار حالة الشياع وما يترتب عنها من مشاكل، أقر المشرع المغربي في الفصل 978 من قانون الالتزامات والعقود الحق لكل شريك في طلب قسمة المال المشاع، سواء كانت قسمة رضائية بين الأطراف أو قسمة قضائية يتم اللجوء إليها عند غياب التوافق، أو وجود قاصر، أو غائب، أو مفقود بين الشركاء
وتُعد القسمة القضائية للعقار الوسيلة القانونية الأساسية لإنهاء الشياع، حيث يتم اللجوء إلى المحكمة المختصة وفق إجراءات مضبوطة حددها قانون المسطرة المدنية. وتكمن أهمية هذا الموضوع في علاقته المباشرة بحماية حقوق المالكين وضمان استقرار الملكية العقارية الفردية.
أولا: مفهوم القسمة
القسمة هي إجراء قانوني يهدف إلى إنهاء حالة الشيوع بين مجموعة من المالكين المشتركين، عبر تحديد نصيب كل طرف وتخصيصه له بشكل منفصل.
عندما يملك عدة أشخاص شيئًا مشتركًا (مثل عقار أو إرث)، يكون هذا المال في حالة شيوع. القسمة هي الوسيلة القانونية التي تسمح بإنهاء هذه الحالة، بحيث يحصل كل شخص على نصيبه الخاص به بشكل مستقل، مما يُنهي الملكية المشتركة.
ثانيا:أنواع القسمة
القسمة القضائية للعقار: تتم عن طريق القضاء بطلب من أحد الشركاء، ويتم إصدار حكم بإنهاء الشيوع، ويمكن أن تكون عبر:
- القسمة العينية: عندما يكون الشيء المشاع قابلاً للقسمة ماديًا.
- القسمة بالتقويم (مع القرعة): إذا تعذرت القسمة العينية، يتم اللجوء لتقدير قيمة الحصص وتوزيعها بحسب القيمة.
ثالثا:الشروط الواجب تحققها لرفع دعوى القسمة القضائية للعقار
1- إثبات ملكية العقار موضوع دعوى القسمة القضائية
يشترط القاضي المختص بالنظر في دعوى القسمة العقارية التأكد من ثبوت الملكية الشائعة للعقار محل النزاع، ولا يصدر حكمه إلا بعد فحص دقيق للوثائق المرفقة بالملف. وتختلف وسائل إثبات الملكية باختلاف طبيعة العقار، سواء كان محفظاً أم غير محفظ.
– في حالة العقار المحفظ: تُثبت الملكية الشائعة من خلال الإدلاء بحجة كتابية مستوفية لجميع الشروط القانونية، والتي تحدد بوضوح هوية المالكين وأنصبتهم في العقار.
– في حالة العقار غير المحفظ: تختلف وسائل الإثبات بحسب مصدر تملك العقار:
- إذا كان سبب التملك هو الإرث:
يتوجب على المدعي إرفاق الوثائق التالية بطلبه القضائي:
- رسم الإراثة: وثيقة عدلية تثبت وفاة الموروث وتحدد هوية الورثة وعددهم وصلتهم بالهالك، وتتضمن كافة البيانات المتعلقة بهم من أسماء وأعمار وصفات وحالات شخصية ومكان الإقامة، بالإضافة إلى تاريخ الوفاة والمناب الشرعي لكل وارث.
- رسم التركة: يتضمن حصر الأموال التي خلفها الهالك، سواء كانت منقولة أو عقارية، مع تحديد طبيعتها وقيمتها بدقة.
- رسم الملكية: شهادة عدلية يدلي بها شهود عدول يقرون بمعرفتهم الشخصية واطلاعهم المباشر على واقعة تملك أحد الأشخاص للعقار محل النزاع، وفقاً للشروط الشرعية والقانونية.
- رسم الإراثة: وثيقة عدلية تثبت وفاة الموروث وتحدد هوية الورثة وعددهم وصلتهم بالهالك، وتتضمن كافة البيانات المتعلقة بهم من أسماء وأعمار وصفات وحالات شخصية ومكان الإقامة، بالإضافة إلى تاريخ الوفاة والمناب الشرعي لكل وارث.
- إذا كان سبب التملك هو عقد معاوضة (كعقد بيع مثلًا):
يُلزم المدعي بإرفاق نسخة من العقد المؤسس لحالة الشياع، ويجب أن يتضمن تحديداً دقيقاً لحصة كل شريك. وفي حال غياب هذا التحديد، تعتبر الأنصبة متساوية بين الشركاء، وفقاً للقاعدة القانونية في حالة الشك.
2-طلب القسمة من طرف أحد الشركاء أو أكثر: لا يمكن للمحكمة أن تضع يدها على النزاع تلقائيًا، بل لا بد من تقديم طلب من أحد الشركاء، لأن الأمر لا يتعلق بالنظام العام.
3-إدخال جميع المالكين على الشياع في الدعوى:
يعد هذا من أهم الشروط الشكلية، إذ لا تُقبل دعوى القسمة إذا لم تشمل جميع الشركاء في العقار المشاع.
4-عدم وقوع ضرر جسيم من القسمة العينية:
إذا كانت القسمة العينية ستؤدي إلى إحداث ضرر بأحد الشركاء أو تقليل كبير من قيمة الحصة، فإن القسمة تتحول إلى قسمة تصفية (عن طريق بيع العقار بالمزاد العلني وتقسيم الثمن).
5-تقديم الدعوى ضد الشركاء المسجلين بالرسم العقاري:
خاصة في حالة العقار المحفظ، حيث لا يُعتد بالتصرفات غير المسجلة. وقد ورد هذا بوضوح في القرار عدد 154 بتاريخ 09 يناير 1996، الذي اعتبر أن القسمة لا تجوز إلا بين المالكين المسجلة أسماؤهم في الرسم العقاري.
رابعا: إجراءات دعوى القسمة القضائية للعقار
فيما يلي أهم مراحل دعوى القسمة القضائية وفقًا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية:
1. أطراف دعوى القسمة:
وفقا للفصل 978 من قانون الالتزامات والعقود، يحق لكل شريك في ملكية المال الشائع أن يرفع دعوى القسمة ضد باقي الشركاء، ويعتبر مدعيا، بينما يعتبر الشركاء الآخرون مدعى عليهم.
- المدعي: قد يكون شريكًا واحدًا أو أكثر، وقد يمثل القاصر أو عديم الأهلية وليه الشرعي، كما يمكن للموصى له أو وارث الشريك المتوفى متابعة الدعوى.
- المدعى عليهم: هم الشركاء الآخرون، ويجب تحديد هويتهم وصفاتهم ومحل إقامتهم. وفي حال عدم إدخال أحد الشركاء، تعتبر الدعوى غير مقبولة، لأن دعاوى القسمة لا تقبل التجزئة.
وقد أكدت محكمة النقض في قرارات متعددة هذا المبدأ، من بينها القرار عدد 809 بتاريخ 6/2/1996 الذي جاء فيه أن “طلب القسمة يجب، تحت طائلة عدم القبول، أن يشمل جميع المالكين على الشياع في الشيء المطلوب قسمته.”
2. المحكمة المختصة في دعوى القسمة:
أ. الاختصاص النوعي:
بموجب الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية، تختص المحاكم الابتدائية بالنظر في دعاوى القسمة العقارية، سواء بصفة ابتدائية وانتهائية أو مع حفظ حق الاستئناف، حسب قيمة النزاع.
ب. الاختصاص المحلي:
حسب الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية، تقام دعاوى القسمة العقارية أمام المحكمة التي يقع العقار داخل نفوذها الترابي. وفي حال وجود العقار ضمن دوائر متعددة، يمكن رفع الدعوى بالمحكمة التي يقع ضمنها الجزء الأكبر،أما إذا كان العقار يوجد خارج المغرب، فلا تكون المحاكم المغربية مختصة بالنظر في الدعوى.
وفي حالة قسمة التركة، تكون المحكمة المختصة هي التي يوجد بها آخر موطن للمتوفى.
3- التقييد الاحتياطي لدعوى القسمة
تنص المادة 316 من مدونة الحقوق العينية على أنه: “لا تقبل دعوى القسمة إلا إذا وجهت ضد جميع الشركاء وتم تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلقت بعقار محفظ”.
4- إجراءات سير دعوى القسمة العقارية بعد تقديم المقال الافتتاحي:
عقب تسجيل المقال الافتتاحي للدعوى، يقوم رئيس المحكمة بتعيين قاضٍ مقرر لمتابعة مجريات القضية. يتولى هذا القاضي الإشراف على مسار الدعوى منذ الجلسة الأولى، حيث يتم توجيه استدعاءات قانونية إلى جميع الأطراف المعنية بالحضور أمام المحكمة.
خلال أولى الجلسات، يشرع القاضي المقرر في فتح باب المناقشة بشأن طلب القسمة العقارية، ويمنح لكل طرف الفرصة لتقديم مستنداته ووثائقه المؤيدة لمطالبه أو دفوعه. كما تُتاح خلال هذه المرحلة إمكانية التدخل الإرادي للأطراف غير الممثلة في الدعوى، حيث يمكن لأي ذي مصلحة أن يطلب الانضمام إلى جانب المدعي أو المدعى عليه.
وفي بعض الحالات، يفرض القانون إدخال الغير في دعوى القسمة العقارية بصفة إلزامية، خاصة إذا تبين أن لهم مصلحة أو حقاً مشتركاً في العقار محل النزاع. ويجب أن يتم هذا الإدخال قبل قفل باب المناقشة وقبل أن تصبح القضية جاهزة للحكم، وذلك لضمان احترام مبدأ المواجهة وتحقيق العدالة بين جميع الأطراف.
5- مرحلة إعداد مشروع القسمة العقارية:
إذا ثبت للمحكمة أن العقار محل النزاع قابل للقسمة، تُصدر حُكماً يقضي بتعيين خبير مختص في المجال العقاري، يُكلف بإعداد مشروع القسمة. يُحدد الحكم الصادر نطاق مهام الخبير بدقة، وتشمل هذه المهام معاينة العقار ميدانياً، والتأكد من إمكانية قسمته قسمة عينية دون إلحاق ضرر بأي من الشركاء.
وفي حال توصل الخبير إلى أن القسمة العينية غير ممكنة – كأن يكون العقار صغير المساحة أو لا يُمكن قسمته دون إنقاص قيمته أو إحداث ضرر جوهري – فإنه يقترح اللجوء إلى البيع عن طريق المزاد العلني، لتتم القسمة على أساس ثمن البيع، وهي ما تُعرف بـ”قسمة التصفية”. ويُحدّد الخبير في تقريره القيمة التقديرية التي تنطلق منها عملية المزايدة.
6-إجراءات تنفيذ حكم القسمة:
في حالة الحكم بقسمة عينية:
- بالنسبة للعقار المحفظ:
- بعد صدور الحكم، يجب التوجه إلى المحافظة العقارية.
- يستوجب تقديم طلب إنشاء رسم عقاري خاص بكل حصة على ضوء الفصلين 66 و67 من قانون التحفيظ العقاري.
- يتطلب ذلك مصاريف إضافية تتعلق بالإجراءات العقارية.
- بعد صدور الحكم، يجب التوجه إلى المحافظة العقارية.
- بالنسبة للعقار في طور التحفيظ:
- لا ينفذ الحكم وحده، بل يجب إيداعه بالمحافظة العقارية.
- يتم ذلك وفق الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري للحفاظ على أولوية التسجيل بعد تأسيس الرسم العقاري.
- لا ينفذ الحكم وحده، بل يجب إيداعه بالمحافظة العقارية.
- بالنسبة للعقار غير المحفظ:
- يتم التنفيذ مباشرة دون اللجوء لهيئات أخرى.
- يتطلب التنفيذ الاستعانة بخبير مسجل في جدول الخبراء.
- تحرير محضر التنفيذ يعد كافيا لإثبات الحيازة
- يتم التنفيذ مباشرة دون اللجوء لهيئات أخرى.
- في حالة الحكم بقسمة التصفية (البيع بالمزاد العلني):
- يعيّن الخبير العقاري ثمن الانطلاق للمزايدة.
- ينظم المزاد العلني لتفويت العقار.
- يعيّن الخبير العقاري ثمن الانطلاق للمزايدة.
خامسا:مصاريف دعوى القسمة
هذه المصاريف تتوزع على عدة عناصر وهي: مصاريف وضع المقال (210 درهم)، وأتعاب الخبير العقاري (التي تتراوح عادة بين 3000و10000 درهم أو أكثر حسب تعقيد المهمة ومساحة العقار)، ومصاريف التبليغ (التي تختلف حسب عدد الأطراف ومراحل الدعوى). وتؤدى هذه المصاريف بدايةً من طرف المدعي، غير أن المحكمة في نهاية الدعوى تقرر من يتحملها، وغالباً ما تُوزع نسبة وتناسب بين الشركاء بحسب أنصبتهم في الملك.
ختاماً، يتضح أن قسمة العقار على الشياع تمثل إحدى الآليات القانونية الحيوية في النظام العقاري المغربي، لما لها من دور محوري في الحد من النزاعات بين الشركاء وضمان الاستغلال الأمثل للعقار المشترك. وقد حرص المشرع المغربي من خلال نصوص واضحة ومسطرة دقيقة على تنظيم هذه القسمة، سواء تعلق الأمر بالقسمة الرضائية أو القضائية، بما يحقق مبدأ العدالة ويضمن حماية الحقوق.
إن اللجوء إلى القضاء لطلب قسمة عقار مشاع لا يُعد فقط خياراً قانونياً، بل هو ضرورة عملية عندما تتعذر التسوية الودية، خاصة في حالة وجود قاصر أو غائب أو عند اختلاف المصالح. وفي هذا الإطار، يتعين على من يرغب في رفع دعوى القسمة أن يُراعي الشروط الموضوعية والشكلية التي أقرها القانون، وفي مقدمتها إثبات الملكية الشائعة وإدخال جميع الشركاء في الدعوى.
وتبقى القسمة القضائية أداة مهمة لإرساء الاستقرار في مجال المعاملات العقارية، خاصة في ظل تعقيدات التملك المشترك وتعدد الورثة بعد الوفاة. كما أن تنفيذ الحكم القضائي الصادر بشأن القسمة، سواء تعلق الأمر بقسمة عينية أو قسمة تصفية، يُشكل المرحلة النهائية والحاسمة التي تُنهي وضعية الشيوع وتُرسّخ الملكية الفردية.
وعليه، فإن الإلمام بجميع جوانب دعوى القسمة، سواء القانونية أو الإجرائية، يشكل ضرورة لكل ممارس في المجال العقاري، ولكل شريك في ملكية مشاعة يسعى إلى حماية حقوقه وضمان وضوح وضعه التملكي أمام القانون والمؤسسات.
اترك تعليقاً