قرار محكمة النقض رقم 11/905 الصادر بتاريخ 11 يوليوز 2023 في الملف الاجتماعي رقم 2022/1/5/1089
دعوى – طلب إجراء خبرة كطلب أصلي – عدم اختصاص المحكمة.
لا يمكن المطالبة بالخبرة كطلب أصلي لأن المحكمة لا تختص بالطلبات التمهيدية ولا تتطوع بجمع الأدلة للخصوم.
المحكمة المطعون في قرارها لما أيدت الحكم الابتدائي القاضي بإجراء خبرة كطلب أصلي لتحصيل دليل وإعداد حجة يكون قرارها غير مرتكز على أساس ومعرض للنقض.
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
حيث يستفاد من أوراق القضية، ومن القرار المطعون فيه، أن المطلوبة في النقض السيدة (خ ب)، تقدمت بمقال عرضت فيه أنها اشتغلت لدى الطالبتين بصفتها منظفة منذ سنة 1990، ولا تزال تشتغل لديهما، وأنها بمراجعة مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وجدت أن وضعيتها مختلة، والتمست انتداب خبير لمراجعة وضعيتها لدى مدرسة (ز)، وبيان الأقساط غير المدفوعة منذ التحاقها بالعمل، وبعد جواب الطالبتين، وانتداب خبير في الموضوع، وفشل محاولة الصلح بين الطرفين، وانتهاء الإجراءات المسطرية، أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها القاضي عليهما بتسوية وضعيتها إزاء صندوق الضمان الاجتماعي وفق ما انتهى إليه الخبير المعين من طرف المحكمة. وإخراج مؤسسة (ز) من الدعوى. استأنفته الطالبتين، فقضت محكمة الاستئناف بتأييده، وهو القرار موضوع الطعن بالنقض. النقد
في شأن الوسيلة الوحيدة للنقض:
تعيب الطاعنتان على القرار المطعون فيه خرق القانون، ومجانبته للصواب فيما قضى به خلافا لمقتضيات قانونية لا يمكن الاتفاق على مخالفتها ، وعدم جوابه على الدفوع والملتمسات الواردة بمذكراتهما ومقالهما، ذلك أنهما تمسكتا بكون الأمر يتعلق بإجراء خبرة لتحديد وضعية المطلوبة في النقض، وأن الطلب الافتتاحي كان يهدف بالأساس إلى إجراء خبرة، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الأمر بإجراء خبرة إلا بالإدلاء ببداية حجة، وأن المطلوبة في النقض لم تمكن المحكمة من الأساس القانوني لرفع دعواها من أجل المطالبة بتسوية وضعيتها اتجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأن القرار موضوع الطعن لم يجب عن ما تمسكتا به من كون المشتري الجديد لمدرسة (ز) يتحمل المسؤولية بجميع ما بذمتهما، بحصولهما على إبراء من مجموع المصالح قبل البيع، وأنه عند إبرام العقود في مثل هذا الشأن لا يتم تسليم البائع مجموع ثمن البيع إلا بعد الإدلاء بالإبراء النهائي اتجاه جميع الإدارات، والقرار موضوع الطعن لم يجب على هذا
الدفع، وتعليله غير مناط الدعوى، ويكون بذلك قد بت في شيء غير مطالب به، مما يجعله منعدم التعليل ويتعين لذلك نقضه.
حيث ثبت صحة ما نعته الطاعنتين على القرار المطعون فيه، ذلك أن المحكمة لا تختص بالطلبات التمهيدية، ولا تتطوع بجمع الأدلة بنفسها للأطراف، والثابت من وثائق الملف، أن المطلوبة في النقض ولئن التمست بمقتضى مقالها الافتتاحي تسوية وضعيتها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلا أنها اكتفت بالمطالبة بانتداب خبير قصد الانتقال المؤسسة الضمان الاجتماعي لمراجعة وضعيتها لديه، وبيان الأقساط غير المدفوعة منذ التحاقها بالعمل، وكيفية تسوية وضعيتها بشأنها دون أن تدلي بما يثبت هذه الواقعة وفق إجراءات الإثبات المحددة قانونا، والتي لا يمكن أن تكون المحكمة هي وسيلة إثباتها من خلال حكمها بإجراء خبرة كطلب أصلي، لذلك فإن المحكمة المطعون في قرارها ، لما لم تجب على دفوع الطالبتين بشأن عدم اختصاصها للبت في طلب يتعلق بإجراء خبرة كطلب أصلي، وأيدت الحكم الابتدائي الذي استجاب لطلب المطلوبة في النقض المتمثل في إجراء خبرة كطلب أصلي لتحصيل دليل، وإعداد حجة، يكون قرارها غير مرتكز على أساس، ومشوبا بخرق المقتضى القانوني المستدل به، وهو ما يعرضه للنقض، وبغض النظر عما أثير بباقي الوسيلة.
وحيث إن حسن سير العدالة، ومصلحة الطرفين يقتضيان إحالة نفس القضية على نفس المحكمة للبت فيها بهيئة أخرى.
لهذه الأسباب
قضت محكمة النقض بنقض وإبطال القرار المطعون فيه، وإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى، وتحميل المطلوبة في النقض الصائر.
كما قررت إثبات قرارها هذا بسجلات المحكمة المصدرة له، إثر القرار المطعون فيه أو بطرته.
وبه صدر القرار، وتلي في في الجلسة الجلسة العلنية العلنية المنعقدة المنعقدة بالتاريخ بالتاريخ المذكور المذكورة أعلاه بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض بالرباط، وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيسة الغرفة السيدة مليكة بنزاهير، والمستشارين السادة عتيقة بحراوي مقررة والعربي عجابي وأم كلثوم ،قربال، وأمال بوعياد أعضاء وبمحضر المحامي العام السيد رشيد لكتامي، وبمساعدة كاتب الضبط السيد خالد لحياني.
هذا القرار الصادر عن محكمة النقض المغربية بتاريخ 11 يوليوز 2023 (قرار رقم 1/905، ملف اجتماعي رقم 2022/1/5/1089) يعد من القرارات القضائية الهامة التي تكرس مبدأ جوهريا في قانون المسطرة المدنية وقانون الإثبات، ويتعلق بمسألة عدم جواز رفع دعوى تهدف فقط إلى إجراء خبرة كطلب أصلي.
فيما يلي تعليق قانوني تفصيلي على القرار:
أولا: ملخص الوقائع والإجراءات
تقدمت الأجيرة (المطلوبة في النقض) بدعوى أمام المحكمة الابتدائية، التمست فيها إجراء خبرة لمراجعة وضعيتها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، مدعية أن مشغلتها لم تصرح بها بشكل صحيح منذ سنة 1990.
المحكمة الابتدائية استجابت للطلب وأمرت بإجراء خبرة، ثم قضت بتسوية وضعيتها وفق نتائج تلك الخبرة.
محكمة الاستئناف أيدت الحكم الابتدائي.
فطعنت المشغلتان بالنقض، متمسكتين بأن الطلب الأصلي كان مجرد طلب خبرة، أي طلب تمهيدي لا يمكن أن يكون موضوع دعوى مستقلة.
ثانيا: الإشكالية القانونية المطروحة
هل يجوز للمدعي أن يرفع دعوى يقتصر موضوعها على إجراء خبرة قضائية بقصد تحصيل دليل أو إعداد حجة لإقامة دعوى لاحقة؟
ثالثا: تعليل محكمة النقض
محكمة النقض أجابت بالنفي، وأقرت أن:
«المحكمة لا تختص بالطلبات التمهيدية، ولا تتطوع بجمع الأدلة للخصوم، وأن الخبرة لا يمكن أن تكون طلبا أصليا وإنما إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى.»
وبالتالي، فإن رفع دعوى موضوعها الوحيد هو طلب إجراء خبرة لتكوين حجة مستقبلية يعد خارج نطاق اختصاص القضاء الموضوعي، لأن المحكمة لا تتحرك لجمع وسائل الإثبات نيابة عن الأطراف، بل تفعل سلطتها التقديرية فقط في إطار دعوى قائمة تتضمن حقا موضوعيا محددا.
وبما أن الأجيرة لم تدل بأي بداية حجة تثبت وجود علاقة العمل أو إخلال المشغلتين بالتصريح، فإن المحكمة كان ينبغي أن تصرف النظر عن طلبها، لا أن تستجيب له كطلب أصلي.
وعليه، اعتبرت محكمة النقض أن القرار المطعون فيه غير مرتكز على أساس قانوني، وقررت نقضه وإحالته على نفس المحكمة بهيئة أخرى.
رابعا: القاعدة القانونية المستخلصة
لا يجوز المطالبة بإجراء خبرة كطلب أصلي مستقل، لأن الخبرة ليست وسيلة لإثبات الحق ابتداء، بل إجراء تحقيق في دعوى قائمة ومؤسسة على حق موضوعي.
بمعنى آخر، يجب أن يكون هناك حق مزعوم محدد (مستحقات، تعويض، علاقة عمل…)، وتأتي الخبرة فقط لتقدير أو التثبت من عناصر ذلك الحق، لا لإنشائه من العدم.
خامسا: الأساس القانوني للقرار
القرار يستند ضمنيا إلى مقتضيات:
الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية المغربي الذي ينص على أن الخبرة من إجراءات التحقيق التي تأمر بها المحكمة لتنويرها في وقائع الدعوى؛
ومبدأ حياد القاضي الذي يمنع المحكمة من جمع وسائل الإثبات من تلقاء نفسها؛
والفصل 1 من قانون المسطرة المدنية الذي يشترط وجود مصلحة وصفة وأهلية لقبول الدعوى، وهي لا تتحقق في مجرد طلب تمهيدي يهدف إلى تحضير دليل.


اترك تعليقاً