تعد جريمة إهمال الأسرة من الجرائم الخطيرة التي تنعكس سلبا على استقرار الأسرة، خاصة بعد الطلاق، فقد عاقب المشرع المغربي كل ممتنع عن أداء النفقة ضمن الفصل 480 من القانون الجنائي المغربي الذي جاء فيه:
” عاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المؤقت بدفع نفقة إلى زوجه أو أحد أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد. وفي حالة العود الحكم بعقوبة الحبس حتما، والنفقة التي يحددها القاضي تكون واجبة الأداء في المحل المستحق لها ما لم ينص الحكم على خلاف ذلك” ، محددا بذلك الشروط التي يجب توافرها لقيامها، والأركان التي ترتكز عليها.
شروط قيام جريمة إهمال الأسرة
حتى تُعتبر واقعة إهمال النفقة جريمة يعاقب عليها القانون، يجب توفر عنصرين رئيسيين لا غنى عنهما:
1. وجود علاقة شرعية ملزمة بالنفقة
يُشترط أولًا وجود رابطة قانونية عائلية تلزم أحد الأطراف بأداء النفقة للطرف الآخر. ويُقصد بالمستحقين للنفقة: الزوجة، أو أحد الأصول (مثل الوالدين)، أو أحد الفروع (مثل الأبناء).
لا تعتبر العلاقة التعاقدية أو مجرد القرابة البيولوجية (مثل علاقة الأب الطبيعي بابنه غير المعترف به شرعًا) من الأسس التي تُرتب التزامًا بالنفقة في هذا السياق. مع ذلك، أدخلت مدونة الأسرة تعديلاً مهمًا من خلال المادة 156، حيث تم التنصيص على النفقة خلال فترة الخطوبة إذا نتج عنها حمل مستوفي الشروط، رغم تعذر توثيق الزواج.
2. صدور حكم قضائي قابل للتنفيذ
يشترط الفصل 480 وجود حكم نهائي أو مشمول بالنفاذ المعجل يلزم أحد الأطراف بدفع النفقة. ويجب أن يكون الحكم واضحًا وصريحًا في تحميل الشخص المسؤولية المالية، سواء تجاه الزوجة أو الأطفال أو الوالدين.
ويُلاحظ أن القانون لا يشترط أداء النفقة بشكل كلي، لكن يُشترط الامتناع العمدي عن الدفع في الأجل المحدد، وهو ما يجعل الفعل جنائيًا، خاصةً إذا ترافق مع نية الإضرار بالطرف المستحق.
أركان جريمة إهمال الأسرة
تقوم جريمة إهمال الأسرة على ركنين أساسيين:
1. الامتناع المتعمد عن أداء النفقة
يبدأ التحقق من هذا الركن بعد 15 يومًا من إشعار الملزم بالأداء عن طريق ضابط الشرطة القضائية. إذا لم يقم بالدفع في هذه المهلة، رغم علمه بالحكم، تُعتبر الجريمة متحققة.
وفي حالة تهرّب الملزم أو عدم وجود عنوان واضح له، يتم تضمين ذلك في المحضر، وتتم المتابعة القضائية بشكل عادي. ورغم أن المدة الممنوحة قصيرة نسبيًا مقارنة ببعض التشريعات العربية، فإن الهدف منها ليس العقاب بقدر ما هو ضمان حصول المحضون على حقوقه المالية في وقتها.
ويُستثنى من الجريمة مَن يقوم بالأداء خلال هذه المدة، حتى ولو كان ذلك في اللحظة الأخيرة. أما الأداء بعد انقضاء المهلة فلا يُسقط الجريمة، مما يفتح النقاش حول مدى جدوى السجن في هذه الحالات.
2. القصد الجنائي (النية الإجرامية)
لا تقوم هذه الجريمة بمجرد الإهمال، بل يجب أن يكون الامتناع عن الدفع ناتجًا عن إرادة حرة وواعية للإضرار بالطرف الآخر. وقد أكد المجلس الأعلى في إحدى قراراته أن الحكم بالإدانة دون إثبات الإرادة العمدية يُعد باطلاً.
ويُنتفى القصد الجنائي إذا ثبت أن الملزم معسر ماليًا أو يمر بظروف قاهرة تمنعه من الأداء، في هذه الحالة، يجوز للمحكمة أن تمنحه مهلة جديدة لتدبير المبلغ.
لكن التطبيق العملي يُظهر أن النيابة العامة تعتمد أحيانًا على النص الحرفي دون مراعاة الوضعية المالية الحقيقية، مما يُهدد الروابط الأسرية ويُفرغ القانون من غاياته الاجتماعية.
النفقة تشمل مصاريف التعليم والرعاية الخاصة
بحسب المادتين 54 و189 من مدونة الأسرة، فإن مصاريف التعليم والتكوين تُعد من صلب النفقة، مما يجعل الأب أو الأم ملزمين بها قانونيًا. وإذا كان الطفل مصابًا بإعاقة، فتُضاف إلى حقوقه تكاليف التأهيل والرعاية المناسبة.
وهنا يظهر دور الدولة ومؤسساتها، خاصةً النيابة العامة، التي أُوكلت لها مهمة مراقبة تنفيذ الأحكام وضمان حقوق الطفل بعد الطلاق، انسجامًا مع توجه المغرب كدولة الحق والقانون.
رغم أهمية زجر المتقاعسين عن أداء النفقة، إلا أن السياسة الجنائية الحديثة تميل إلى تقليص العقوبات السالبة للحرية لصالح العدالة التصالحية. فحبس الأب أو الأم، وإن بدا للبعض ردعًا مناسبًا، إلا أنه في الواقع قد يؤدي إلى هدم الأسرة بدل بنائها.
وتطرح حلول بديلة مثل:
- الحجز على الممتلكات.
- سحب رخصة السياقة أو جواز السفر.
- فرض غرامات مالية تصاعدية بدل الحبس.
كما أن بعض التشريعات (مثل القانون الليبي) تسمح بإسقاط العقوبة إذا تم الأداء، ولو بعد انقضاء المهلة القانونية.
عقوبة إهمال الأسرة
عقوبة إهمال الأسرة في القانون المغربي منصوص عليها في الفصل 480 من القانون الجنائي، وتتمثل في:
- الحبس من شهر إلى سنة
- و/أو غرامة مالية من 200 إلى 2000 درهم
يمكن أن تحكم المحكمة بإحدى العقوبتين أو كلتيهما، حسب ظروف كل حالة.
تطبق هذه العقوبة على الزوج (أو الزوجة في حالات نادرة) إذا ثبت أنه:
- امتنع عن دفع النفقة المحكوم بها.
- وتوفرت لديه القدرة المادية.
- واستمر الامتناع لمدة تفوق شهراً دون مبرر مشروع.
هل الأداء الجزئي يسقط الجريمة؟
لم يحدد الفصل 480 بشكل واضح ما إذا كان الأداء الجزئي يعتبر كافيا لتفادي العقوبة. لكن إذا تبين أن الأداء الجزئي ناتج عن نية سيئة، كإرسال المبلغ إلى عنوان خاطئ أو كتابة اسم المحضون خطأ عمدا، فإن ذلك يُثبت توفر النية الجرمية.
وبالتالي فإن النية، وليس فقط الفعل، هي العنصر الحاسم في إثبات جريمة إهمال الأسرة.

نموذج شكاية إهمال الأسرة ضد الزوج
إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بـ[اسم المدينة]
لفائدة:
الاسم الكامل: [الاسم الكامل للزوجة]
رقم البطاقة الوطنية: [رقم البطاقة الوطنية]
العنوان: [العنوان الكامل]
ضد:
الاسم الكامل: [الاسم الكامل للزوج]
رقم البطاقة الوطنية (إن وجد): [رقم البطاقة]
العنوان الأخير المعروف: [العنوان الكامل]
الموضوع: شكاية بشأن جريمة إهمال الأسرة وفقاً للفصل 480 من القانون الجنائي
سلام تام بوجود مولانا الإمام،
سيدي وكيل الملك المحترم،
أتشرف بأن أتقدم إلى سيادتكم بهذه الشكاية ضد المشتكى به أعلاه، وذلك من أجل جريمة إهمال الأسرة المتمثلة في الامتناع العمدي عن أداء النفقة المحكوم بها لفائدتي ولفائدة أبنائه، وذلك رغم صدور حكم قضائي نهائي وواجب التنفيذ.
الوقائع:
أحيطكم علماً أنني كنت متزوجة بالمشتكى به بموجب عقد زواج موثق تحت عدد [رقم العقد] بتاريخ [تاريخ الزواج]، وقد أنجبت منه أبناء [عدد الأبناء وأسماؤهم وتواريخ ميلادهم].
ونظراً للنزاعات الزوجية، تم اللجوء إلى القضاء حيث صدر الحكم عدد [رقم الحكم] بتاريخ [تاريخ الحكم] عن المحكمة [اسم المحكمة]، والقاضي بأداء نفقة شهرية قدرها [المبلغ المحكوم به] درهم لفائدتي و/أو لفائدة الأبناء.
ورغم تبليغ الحكم للمشتكى به بتاريخ [تاريخ التبليغ] وتوصله بمضمونه، إلا أنه امتنع عن التنفيذ بشكل متعمد، وهو ما يشكل الركن المادي والمعنوي لجريمة إهمال الأسرة طبقاً للفصل 480 من القانون الجنائي المغربي.
بناءً على ما سبق، ألتمس من سيادتكم:
- فتح تحقيق في الموضوع.
- الاستماع إلى المشتكى به في محضر رسمي.
- متابعته من أجل جريمة إهمال الأسرة وفقاً للفصل 480 من القانون الجنائي.
- اتخاذ ما ترونه مناسباً لضمان حقوقي وحقوق أبنائي المالية والمعيشية.
حرر بتاريخ: [تاريخ تقديم الشكاية]
الإمضاء: [توقيع المشتكية]
تظهر قراءة الفصل 480 من القانون الجنائي المغربي أن المشرع حاول تحقيق توازن دقيق بين حماية حقوق الأطفال والزوجة، وبين احترام حرية الأفراد. لكن التطبيق العملي لا يزال يواجه تحديات، أبرزها:
- ضعف الوعي القانوني لدى الملزمين بالنفقة.
- نقص الموارد المالية لدى المحضون.
- التسرع أحيانًا في إصدار العقوبات الحبسية.
لذا فإن تطوير المنظومة القانونية يستوجب اعتماد آليات تنفيذ مرنة وفعالة، تراعي الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وتضمن حماية الأسرة، باعتبارها الخلية الأساسية لبناء المجتمع.
اترك تعليقاً