يعرف العنف ضد النساء حسب القانون رقم 103.13 بأنه “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”. يهدف هذا القانون إلى حماية المرأة من كل أشكال العنف، وتكريس المساواة والكرامة الإنسانية.

أنواع العنف ضد النساء

 العنف الجسدي

يتمثل في كل فعل أو امتناع يمس، أو من شأنه المساس، بالسلامة الجسدية للمرأة، كالضرب أو الجرح أو الإيذاء البدني، أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه،

العنف الجنسي

يشمل كل استغلال أو قول أو فعل ينتهك حرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية،  أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك، ويعاقب عليه بشدة في حالة التحرش أو الإكراه على الزواج أو الاغتصاب.

العنف النفسي

كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان، سواء كان بغض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها، أو بغرض تخويفها أو ترهيبها.

4. العنف الاقتصادي

يشمل أي سلوك يسبب ضرر بالحقوق الإجتماعية أو الإقتصادية للمرأة. مثل منع المرأة من العمل، أو تبديد أموالها، أو الإخلال بحقوقها في النفقة أو السكن.

العقوبات الجنائية المنصوص عليها

التحرش الجنسي

  • العقوبة: من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى 50,000 درهم (الفصل 503-1).
  • التشديد: تتضاعف العقوبة إذا كان الفاعل من أصحاب السلطة أو الولاية على الضحية.

العنف الجسدي

  • إذا ارتكب ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد امرأة حامل، فإن العقوبة قد تصل إلى السجن من 20 إلى 30 سنة أو السجن المؤبد حسب خطورة الفعل (الفصول 404 و402 و403).

الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر

  • يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين وغرامة تصل إلى 10,000 درهم (الفصل 431).
  • التشديد: إذا كان الفاعل قريباً من الضحية، أو له ولاية عليها.

الإكراه على الزواج

  • الحبس من 6 أشهر إلى سنة وغرامة تصل إلى 30,000 درهم، وتضاعف العقوبة إذا كانت الضحية قاصرة أو في وضعية إعاقة (الفصل 503-2-1).

الطرد من بيت الزوجية

  • العقوبة: من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة مالية، مع مضاعفة العقوبة في حالة العود (الفصل 480-1).

السب والقذف بسبب الجنس

  • السب: غرامة من 12,000 إلى 60,000 درهم (الفصل 444-1).
  • القذف: غرامة تصل إلى 120,000 درهم (الفصل 444-2).

التصوير أو التسجيل بدون إذن

  • العقوبة: الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة مالية، وتضاعف في حالة العود أو إذا كان الفاعل من المقربين أو ضد قاصر (الفصول 447-1 و447-2 و447-3).

إجراءات الحماية والدعم

تهدف هذه الإجراءات إلى الاستجابة الفورية لحالات العنف وتقديم الحماية القانونية والاجتماعية للمرأة المعنفة. وقد نصت المادة 8 من القانون 103.13 على مجموعة من التدابير الوقائية التي يجب اتخاذها فورًا من طرف السلطات المختصة، وخاصة النيابة العامة. 

هذه التدابير تندرج ضمن سياسة التكفل الشامل بالنساء ضحايا العنف، وتساهم في وقف العنف قبل أن تتفاقم عواقبه النفسية والاجتماعية، كما أنها تمنح الضحية شعورًا بالحماية الفورية وتجنبها العودة إلى بيئة عنيفة.

التدابير الوقائية الفورية

إرجاع المرأة إلى سكنها.

يلزم المعتدي، في حالات الطرد، بإعادة الضحية إلى بيت الزوجية أو السكن الذي حددته المحكمة للحضانة، خاصة إن كانت الضحية أمًا أو لديها أطفال.

أهمية هذا الاجراء:

حماية الضحية من التشرد أو الإقامة في أماكن غير آمنة.

ضمان استقرار الأطفال إذا كانوا طرفًا في النزاع.

التأكيد على حق المرأة في السكن الآمن كجزء من حقوقها الاجتماعية.

يتم تنفيذ هذا الإجراء بموجب أمر قضائي، وقد تتدخل الشرطة أو الدرك لتنفيذه إذا رفض المعتدي الامتثال.

إنذار المعتدي.

يقوم وكيل الملك أو أحد ضباط الشرطة القضائية بتوجيه إنذار رسمي للمعتدي، يتضمن تحذيرا قانونيا بعدم تكرار الفعل أو التهديد بارتكابه.

الغاية منه:

تحذير الجاني من العواقب القانونية في حال تكرار العنف.

إرسال رسالة قانونية رادعة دون الحاجة للجوء الفوري إلى السجن.

منع تصعيد الوضع العائلي وتوفير فرصة للتراجع.

يُستعمل غالبًا في حالات التهديد أو الاعتداءات الخفيفة، كوسيلة بديلة لتصعيد العقوبة.

إحالة الضحية للعلاج.

تتم إحالة المرأة المعنفة إلى المراكز الصحية أو المستشفيات العمومية لتلقي العلاجات النفسية أو الجسدية اللازمة، سواء كانت إصابات بدنية أو آثار نفسية بسبب العنف.

أبعاد الحماية:

ضمان السلامة الجسدية والعقلية للضحية.

توفير تقارير طبية معتمدة يمكن اعتمادها لاحقًا في المسطرة القضائية.

تسهيل التكفل النفسي وهو جزء من إعادة الإدماج.

هذا الإجراء يتم بشكل استعجالي بتنسيق مع المصالح الصحية، سواء من طرف الشرطة أو بموجب قرار من النيابة العامة.

الإيداع في مؤسسات الإيواء.

هو توفير مكان آمن ومؤقت لإيواء النساء المعنفات اللواتي لا يمكنهن الرجوع إلى بيوتهن بسبب خطر محتمل، أو في حالات الطرد.

تشمل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، الجمعيات المرخصة، أو مراكز متخصصة يتم تحديدها من قبل الدولة.

 أهم الأهداف:

توفير ملاذ آمن بعيدًا عن مصدر العنف.

حماية النساء في وضعيات هشاشة.

تمكين الضحية من الاستقرار المؤقت حتى إيجاد حل دائم.

تعطى الأولوية للنساء الحوامل، الأمهات، ذوات الاحتياجات الخاصة، والقاصرات في وضعية عنف.

تدابير إضافية بأمر قضائي

  • منع الجاني من الاتصال بالضحية أو الاقتراب منها.
  • إخضاعه لعلاج نفسي تحت إشراف المحكمة (الفصول 88-1 إلى 88-3).

خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف

تم إحداث خلايا متخصصة بالمحاكم والمراكز الصحية والإدارية:

تمثل خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف إحدى أهم الآليات المؤسساتية التي جاء بها القانون رقم 103.13 لمحاربة العنف ضد المرأة في المغرب. وقد تم إحداث هذه الخلايا على مستوى المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، إضافة إلى مصالح الشرطة، الدرك الملكي، والمراكز الصحية والاجتماعية، وذلك بهدف تقديم استجابة شاملة ومتكاملة لحالات العنف.

تتولى هذه الخلايا مهام متعددة تتمثل أساسًا في الاستقبال الأولي للنساء ضحايا العنف، والإنصات إليهن في بيئة تراعي وضعهن النفسي والاجتماعي، ثم توجيههن نحو الجهات المختصة حسب نوع المساعدة المطلوبة، سواء أكانت قانونية، طبية، نفسية، أو اجتماعية. كما تُقدم هذه الخلايا الدعم النفسي والاجتماعي، وترافق الضحايا خلال مختلف مراحل المسطرة القضائية، بما في ذلك إجراءات التبليغ، المتابعة، والحصول على الحماية.

تتكون هذه الخلايا من ممثلين عن النيابة العامة، قضاة الأحداث، مساعدات اجتماعيات، عناصر من الأمن الوطني أو الدرك الملكي، وأطر من قطاعي الصحة والمرأة، بالإضافة إلى ممثلين عن الجمعيات الفاعلة في مجال حقوق المرأة. وتُراعى في تشكيل هذه الخلايا مبادئ التخصص والمناصفة لضمان فعالية التدخل وعدالة التمثيل.

تلعب هذه الخلايا دورًا حيويًا في ضمان التنسيق بين مختلف المتدخلين، بما في ذلك القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمجتمع المدني، وتُعد الجهة الأولى التي تلجأ إليها النساء ضحايا العنف بمجرد تعرضهن لأي اعتداء. كما تعمل على تيسير ولوج المرأة إلى العدالة، وتقليص الحواجز الإدارية والنفسية التي تعيقها، مما يعزز من فرص حمايتها وتمكينها من استعادة حقوقها.

إن فعالية هذه الخلايا لا تقتصر فقط على الجانب التدخلي، بل تتعداه إلى الجانب الوقائي كذلك، من خلال رصد الحالات، إعداد تقارير دورية، والمساهمة في حملات التحسيس والتوعية. كما تشكل هذه الخلايا حلقة وصل ضرورية بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، وتدعم مبدأ التكفل المتكامل كجزء من السياسات العمومية لمناهضة العنف ضد النساء.

اللجان الوطنية والجهوية والمحلية

يشكل إحداث اللجان الوطنية والجهوية والمحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف ركيزة أساسية في الهيكلة المؤسسية التي اعتمدها المغرب لتفعيل مقتضيات القانون 103.13. وقد تم توزيع اختصاصات هذه اللجان حسب المستويات المركزية والجهوية والمحلية، لضمان التنسيق المتكامل بين مختلف المتدخلين على جميع الأصعدة.

تضطلع اللجنة الوطنية بمهمة التنسيق العام على المستوى الوطني، وتسهر على تتبع تنفيذ السياسات العمومية المرتبطة بمحاربة العنف ضد النساء. وتضم في تركيبتها ممثلين عن القطاعات الحكومية المعنية، بالإضافة إلى شخصيات وخبراء من المجتمع المدني. يرأس هذه اللجنة رئيس الحكومة، وتعقد اجتماعاتها بشكل دوري لدراسة تقارير اللجان الجهوية والمحلية، وتقديم توصيات لتطوير التدخلات وتحسين آليات الحماية والدعم.

أما على المستوى الجهوي، فتم إحداث لجان جهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف على صعيد كل محكمة استئناف، تتألف من ممثلين عن القضاء، النيابة العامة، الإدارات الجهوية، المجالس المنتخبة، المجتمع المدني، ونقابات المحامين والمفوضين القضائيين. وتقوم هذه اللجان بإعداد خطط عمل جهوية، والسهر على التنسيق بين مختلف القطاعات وتجاوز الإكراهات التي تعيق فعالية التكفل، مع الحرص على توحيد منهجية العمل بين الخلايا المحلية وتسهيل تبادل الخبرات.

أما على المستوى المحلي، فقد تم تأسيس لجان محلية على صعيد كل محكمة ابتدائية، تعمل على تنفيذ الخطط المحلية للتكفل بالنساء المعنفات، وتحرص على التنسيق اليومي بين المؤسسات والسلطات القضائية والإدارية والمجتمع المدني. وتنعقد اجتماعات هذه اللجان بصفة دورية لرفع تقاريرها إلى اللجنة الجهوية، بهدف ضمان تتبع دقيق لسير عمل الخلايا وتقييم النتائج المحققة.

يُعد عمل هذه اللجان في مختلف مستوياتها جزءًا من مقاربة شمولية تستند إلى مبدأ الشراكة والتشبيك المؤسساتي، وترتكز على المعالجة المتكاملة لحالات العنف من خلال الجمع بين الردع القانوني، الدعم النفسي، والإدماج الاجتماعي، في انسجام تام مع المعايير الدولية لحماية حقوق المرأة.

الوقاية والتحسيس

تسهر السلطات على:

  • تنظيم حملات توعوية.
  • تصحيح صورة المرأة في المجتمع.
  • تعزيز القيم التي تجرّم العنف.

ما هي أسباب العنف ضد المرأة؟

يُعد العنف ضد المرأة ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد، تتداخل فيها عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية ونفسية. ومن خلال تحليل الواقع المغربي والمجتمعات المشابهة، يمكن تلخيص أبرز أسباب العنف ضد المرأة فيما يلي:

الثقافة الذكورية السائدة

ما زالت بعض التقاليد تعتبر المرأة تابعة للرجل وتشرعن سلطة الذكر داخل الأسرة، مما يُفضي إلى تبرير العنف كوسيلة “للتأديب” أو “الهيمنة”.

الجهل بالحقوق القانونية

ضعف الوعي القانوني لدى النساء والرجال معًا، يجعل الكثير من الضحايا لا يُبلغن عن العنف، ويُشجع الجناة على الإفلات من العقاب.

التنشئة الاجتماعية الخاطئة

تعليم الأطفال منذ الصغر على أدوار نمطية بين الجنسين، يُرسخ في ذهن الرجل أنه “أقوى”، وفي ذهن المرأة أنها “تتحمل”، ما يهيئ بيئة خصبة للعنف الأسري.

الفقر والبطالة والتبعية الاقتصادية

حين تكون المرأة مرتبطة ماليًا بشريكها المعتدي، يصعب عليها اتخاذ قرار المغادرة أو التبليغ. كما قد يؤدي الفقر نفسه إلى توتر نفسي يولّد سلوكًا عنيفًا داخل الأسرة.

الإفلات من العقاب

في حالات كثيرة، لا تُطبق القوانين أو تُمارَس الضغوط الأسرية على الضحية للتنازل، مما يجعل الجاني يشعر بأنه “محصن” من العواقب.

الإدمان والعنف الموجه

تعاطي الكحول أو المخدرات يزيد من احتمالية ممارسة العنف، حيث يفقد المعتدي السيطرة على نفسه ويُبرر أفعاله بالإدمان.

خاتمة

إن محاربة العنف ضد النساء في المغرب ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي معركة حضارية وأخلاقية. فالقانون 103.13 يعتبر خطوة متقدمة نحو حماية كرامة المرأة وضمان حقها في الأمن النفسي والجسدي والاقتصادي. ويبقى تفعيل القانون رهينًا بوعي المجتمع، ويقظة المؤسسات، ومواكبة مستمرة للضحايا حتى لا يُترك أحد خلف الركب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *