السفر بالمحضون داخل أو خارج المغرب تطرق له المشرع المغربي من خلال المادتين 178 و179  من مدونة الأسرة، مؤطرا بذلك الوضعيات المختلفة التي قد تطرأ بعد الطلاق ، ومرسخا قاعدة أساسية مفادها أن المصلحة الفضلى للمحضون هي الأساس الذي تبنى عليه القرارات القضائية.

في هذا المقال، نقدم تحليلًا قانونيًا معمقًا وشاملًا لمسألة انتقال المحضون، مع التركيز على الأحكام القضائية والاجتهادات ذات الصلة.

الانتقال بالمحضون خارج المغرب: قراءة في مقتضيات المادة 179 من مدونة الأسرة

تعد مسألة الانتقال بالمحضون خارج التراب الوطني من المواضيع الشائكة التي عالجها المشرع المغربي في المادة 179 من مدونة الأسرة، حيث حاول التوفيق بين مصلحة المحضون وحقوق النائب الشرعي من جهة، ومتطلبات الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي قد يفرض على الحاضن مغادرة التراب الوطني برفقة المحضون من جهة أخرى.

اشتراط موافقة النائب الشرعي

تنص المادة 179 من مدونة الأسرة على أنه:
“يمكن للحاضن أن يسافر بالمحضون خارج المغرب بعد موافقة النائب الشرعي، وفي حالة تعذر الحصول على هذه الموافقة، يمكن اللجوء إلى المحكمة لمنع الحاضن من ذلك.”

يتضح من هذا المقتضى أن موافقة النائب الشرعي تُعتبر شرطًا أساسيًا للسفر بالمحضون خارج المغرب. غير أن غياب هذه الموافقة لا يعني بالضرورة المنع التلقائي، بل يفتح المجال أمام المحكمة لتقدير الوضع واتخاذ القرار الذي يُراعي أولًا وأخيرًا مصلحة المحضون.

دور النيابة العامة في تنفيذ قرار المنع

في حالة صدور قرار من المحكمة بمنع الحاضن من اصطحاب المحضون خارج البلاد، فإن النيابة العامة تلعب دورًا حاسمًا في السهر على تنفيذ هذا القرار، وذلك باتخاذ كافة التدابير القانونية والإجرائية اللازمة.

الاستثناء: اللجوء إلى قاضي المستعجلات

قد تفرض بعض الحالات الاستعجالية ضرورة سفر الحاضن بالمحضون خارج المغرب بشكل عرضي ومؤقت (مثل العلاج، الدراسة، أو ظروف إنسانية طارئة). في هذه الحالة، أجاز المشرع للحاضن التوجه إلى قاضي الأمور المستعجلة لاستصدار إذن استثنائي، شرط أن يُثبت الطابع العرضي للسفر، وضمان عودة المحضون إلى أرض الوطن بعد انتهاء السبب.

إشكالية امتناع النائب الشرعي المقيم بالخارج

من الإشكاليات التي لم تُعالج صراحة في مدونة الأسرة، نجد الحالة التي يكون فيها النائب الشرعي مقيمًا خارج المغرب، ويرفض منح الإذن للحاضن بمرافقة المحضون إلى بلد الإقامة.

هنا يطرح السؤال الجوهري:
هل يُعقل أن يُمنع المحضون من العيش مع حاضنه ونائبه الشرعي معًا، رغم وجود مصلحة أكيدة له في ذلك؟

الإجابة جاءت من خلال الاجتهاد القضائي، حيث قضت المحكمة الابتدائية بالرشيدية بتاريخ 08/12/2005 بالإذن للأم باصطحاب طفلتيها إلى فرنسا رغم رفض والدهما (الذي يقيم بفرنسا كذلك) منح الإذن. واعتبرت المحكمة أن مصلحة المحضون تقتضي أن يكون بالقرب من والده، وفي حضن والدته التي تحضنه.

دور الاتفاقيات الدولية

لا يمكن إغفال أهمية الاتفاقيات الثنائية، خاصة بين المغرب وفرنسا، في معالجة النزاعات المرتبطة بحضانة الأطفال بين الدولتين.
فالمرجع هنا هو الاتفاقية المبرمة بتاريخ 10 غشت 1981، التي تسمح للسلطة القضائية في الدولة التي نُقل إليها الطفل باتخاذ الإجراءات القانونية لتسليمه للحاضن الذي يملك الحضانة الشرعية.

وقد استند قرار المجلس الأعلى عدد 1158 بتاريخ 30/11/2000 إلى هذه الاتفاقية، مؤكدًا على التعاون القضائي بين الدولتين في هذا الإطار.

عندما يكون السفر سببا لإسقاط الحضانة

في مقابل ذلك، صدرت قرارات قضائية تُسقط الحضانة عن الأم بسبب انتقالها بالمحضونين إلى بلد بعيد يصعب على الأب متابعة أحوالهم فيه. مثلًا، القرار رقم 1 الصادر بتاريخ 04 يناير 2006، الذي قضى بإسقاط الحضانة عن الأم بعدما انتقلت رفقة أبنائها إلى السودان، لأن المسافة الشاسعة حالت دون قيام الأب بواجباته التربوية.

الانتقال بالمحضون داخل المغرب: تفسير مقتضيات المادة 178 من مدونة الأسرة

بخلاف الانتقال خارج المغرب، تعامل المشرع المغربي مع الانتقال بالمحضون داخل التراب الوطني بمرونة أكثر، وهو ما يتجلى في المادة 178 من مدونة الأسرة، التي نصت على ما يلي:

“لا تسقط الحضانة بانتقال الحاضنة أو النائب الشرعي للإقامة من مكان لآخر داخل المغرب، إلا إذا ثبت للمحكمة ما يوجب السقوط، مراعاة لمصلحة المحضون والظروف الخاصة بالأب أو النائب الشرعي، والمسافة التي تفصل المحضون عن نائبه.”

القاعدة العامة: التنقل داخل المغرب لا يُسقط الحضانة

ينطلق هذا المقتضى من فرضية أساسية وهي أن الانتقال الجغرافي داخل التراب الوطني لا يُشكّل خطرًا مباشرًا على مصلحة المحضون، خاصة في ظل تطور وسائل النقل وانتشار المرافق الحيوية (كالمدارس والمستشفيات) في جميع المناطق، بما فيها القروية.

دور المحكمة في تقدير مدى الضرر

مع ذلك، منح المشرع للمحكمة سلطة تقديرية لتقييم مدى تأثير الانتقال على مصلحة المحضون. فإذا تبين أن هذا الانتقال من شأنه أن يحول دون تمكين النائب الشرعي من أداء واجباته التربوية والدينية والاجتماعية، جاز لها أن تُسقط الحضانة عن الحاضن.

هذا التوجه ليس وليد مدونة الأسرة، بل هو امتداد لاجتهاد قضائي قديم. نذكر هنا قرار المجلس الأعلى بتاريخ 02 فبراير 1994 تحت عدد 5289، الذي جاء فيه:

“إن الاستيطان في أي منطقة من مناطق المغرب، لم يعد فيه عُسر على الأب في تتبع شؤون المحضون، نظرًا لتوفر وسائل النقل وانتشار المؤسسات التعليمية والاجتماعية في كل أنحاء البلاد.”

وقد استُند إلى هذا القرار في العديد من الأحكام التي أبقت الحضانة للحاضن، رغم انتقاله إلى منطقة أخرى داخل المغرب، ما دامت مصلحة المحضون لم تتضرر.

يتضح من خلال تحليل المادتين 178 و179 من مدونة الأسرة أن المشرع المغربي سعى إلى خلق توازن دقيق بين حقوق الحاضن ومصلحة المحضون من جهة، وسلطة النائب الشرعي من جهة أخرى، سواء تعلق الأمر بالسفر داخل المغرب أو خارجه.

غير أن التطبيق العملي كشف عن ثغرات قانونية، خصوصًا في الحالات التي يكون فيها الطرفان (الحاضن والنائب الشرعي) مقيمين بالخارج، مما يستدعي تدخلًا تشريعيًا أو توجيهات قضائية موحدة تُراعي التحولات الاجتماعية والواقع المعيشي للأسرة المغربية في المهجر.

في النهاية، تبقى مصلحة المحضون هي البوصلة التي يجب أن تُوجه كل القرارات القضائية، سواء تعلق الأمر بمنح الإذن بالسفر، أو البت في إسقاط الحضانة، أو تقدير مدى الضرر الناتج عن الانتقال.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *